هل يجوز الدعاء بقول حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله وتكرار الدعاء ؟

هل يجوز الدعاء بقول حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله وتكرار الدعاء ؟

 

هل يجوز الدعاء بقول حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله

الدعاء هو عبادة من العبادات عظيمة النفع جليلة القدر؛ ذلك أنه يحوي التضرع إلى الله تعالى والتذلل له، وسؤاله عما نحتاجه من أمور الدنيا والآخرة، يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة”، وهذا يدل عليه قول الله تعالى في سورة مريم في حوار إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه، حيث قال النبي إبراهيم: ” وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا”، ثم كانت الآية التي تليها: “فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ”.

فعبر القرآن الكريم مرة بالدعاء ومرة بالعبادة، مما يدل على أنها بمعنى واحد.

كما يشهد لهذا قول الله تعالى في سورة غافر: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ “.

وقد ورد دعاء “حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله” في قوله تعالى في سورة التوبة: “وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُون”.

سبب نزول الاية

وقد اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات، فمنهم من رأي أنها نزلت في ذي الخويصرة التميمي، طبقًا لما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: ويلك، ومنْ يعدل إذا لم أعدل؟، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني أضرب عنقه. قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قُذذه، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيِّه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل إحدى يديه أو قال ثدييه مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة تُدرْدر يخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد أشهد أني سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليًا قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فنزلت فيه.

ومنهم من يرى أنها نزلت في رجل من المنافقين من الأنصار، لما روي عن داود بن أبي عاصم أنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت، قال: فرآه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل

والذي يظهر أن الآية نزلت بسبب طعن بعض المنافقين ولمزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته، سواء كان ذلك في قسمة الزكوات، وهو الأقرب، وبسياق الآية ولحاقها أوفق، أم كان في قسمة الغنائم، فإن الاعتراض والطعن حاصل منهم في الجميع.

وهؤلاء المنافقون كانوا يفرحون بما رزقهم الله تعالى من فضله ويشكرونه على ذلك، ولكن ما إن يمنع الله عنهم الخير إلا ويظهرون الوجه الآخر بالسخط وعدم الرضا؛ لذلك وضح الله في الآية بأنهم إن رضوا بما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله بما أعطانا نكتفي وأن الله تعالى سيؤتينا من فضله، فلو أنهم رضوا بما أعطاه الله لهم كان لهم الكثير من الخير والتقدير في الدنيا والآخرة.

اقرأ ايضا : ماهي شروط التوبة النصوح التي تنفع صاحبها ؟ وما هي خطواتها وثمارها ودعاؤها؟

هل يجوز الدعاء بقول حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله

وأما ترديد دعاء “حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله” فلا بأس بالدعاء به؛ لأنه ورد في القرآن الكريم في موضع المدح، وكان الأولى بهؤلاء المنافقون أن تلهج به ألسنتهم ويرضوا بما قسمهم الله لهم ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالله حسبهم وفضله كبير عليهم وعلى البشرية جمعاء، وعنده خزائن لا تنتهي، لكن من الوضاح أن هؤلاء المنافقون دائمًا ما يشككون فيما عند الله تعالى، وقد وصفهم القرآن الكريم بقوله: “هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ”.
وهذا حال بعض البشر في الذين أنعم الله عليهم ورزقهم وآتاهم من فضله، يبخلون ويمسكون ولا يتوكلون على الله، وفيهم يقول عز وجل: “قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا”.

فدعاء المسلم ب “حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله” هو محض توكل ولجوء إلى خالقه، فالله سبحانه وتعالى هو صاحب الفضل، ويجزي دائمًا بالإحسان، وهو لطيف بعباده، ويرزق من يشاء بغير حساب، فحسب المؤمن أنه ربه وخالقه.
والنفس المؤمنة قانعة غير طامعة، أما نفس المنافق فهي طامعة وغير قانعة؛ لأنها لا تؤمن إلا بالدنيا ومتعها وموادها، فيبتغون المزيد منها، وبئس ما يبغون وما يطلبون، لذلك صور الله النفس المؤمنة بعد رضاها بقوله: وقالوا حسبنا الله، أي: الله كافينا، ولم يقل عنهم أنهم قالوا: حسبنا ما آتانا الله، فكان قولهم: حسبنا الله، أي إن الله كافينا، أعطانا هذا ما رضينا به، وسيعطينا إن احتجنا، وما أخذناه يكفينا.

وقوله تعالى عنهم “حسبنا الله” فيه من معاني التفويض والتوكل على الله ورجاء ما عنده ما لا تدركه إلا القلوب المؤمنة المتبتلة الضارعة له سبحانه وتعالى وحده.

ما هو فضل دعاء حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله؟

أن قوله تعالى :”سيؤتينا الله من فضله” فيه تصوير معنى الاتكال على الله تعالى، ورجاء ما عنده على أنه فضله فيستحق الشكر، ولا يجوز أن ينتقص ما يأمر بإعطائه.
وعلى كل فيعتبر هذا الدعاء العظيم من الأدعية المأثورة الواردة في القرآن الكريم، والدعاء بها مستحب حتى في الصلوات المفروضة والمسنونة، لا سيما في السجود، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء في السجود.

هل يجوز الدعاء بنصوص القرآن بنية الدعاء

فيجوز الدعاء بنصوص القرآن بنية الدعاء؛ إذ الأعمال بالنيات، والصلاة في اللغة معناها: الدعاء، ومنه قوله تعالي: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ”، أي: ادع لهم بالبركة والنماء عند أخذ الزكاة، وهي في الشرع: أقوال وأفعال مُفْتَتَحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فالصلاة التي نُصلِّيها فيها إلى جانب الأفعال كالركوع والسجود أقوال، كقراءة الفاتحة، والتشهد، والتسبيح، والتكبير، والدعاء في السجود وغيره، فهناك علاقة وثيقة بين الدعاء والصلاة؛ لأنها مناجاة لله مع حركات تشهد بالإخلاص في هذه المناجاة، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة بما فيها من أقوال وأفعال، بينها بفعله، وبقوله، وقال:”صلوا كما رأيتموني أصلي، ونُظِّم الدعاء والذكر وجُعل له مواطن هو أولى وأجدر بها، وكتب السنة مملوءة بما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في كل ركن من أركان الصلاة.
فالصلاة مِن أولها إلى آخرها محل للدعاء، وأولى بالدعاء المواطن التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأبرزها السجود، وقد ثبت أنه كان يقرأ القرآن في الصلاة الطويلة، فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، وعلى ذلك، فإذا دعا الله في أي مكان فصلاته لاتبطل.
فالله حسبنا وسيؤتينا من فضله، وهو نعم المولى ونعم النصير.

المصادر

ابن باز

إسلام ويب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top