لماذا طرد الرسول اليهود من المدينة المنورة؟ غزوات بني قينقاع و بني قريظة

لماذا طرد الرسول اليهود من المدينة المنورة؟

كان اليهود في المدينة المنورة يعيشون بجانب الأوس و الخزرج زمنا طويلا قبل الإسلام، إلى ان جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع ميثاقا لأهل المدينة بين المؤمنين و غيرهم، فيه كل المواثيق بين المهاجرين و الأنصار و المؤمنين و اليهود …

لكن اليهود لطالما عرفوا بأنهم يخونون الميثاق، قال تعالى فيهم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} البقرة (114). و قد حاكوا الكثير من المكائد و أثاروا الكثير من الشغب في عهد النبي صلى الله عليه و سلم، و كان في المدينة المنورة حصنان مشهوران لليهود كانوا يسكنون فيهما، حصن قبيلة بني قينقاع، و حصن بني النظير. و هذان القبيلتان هما اللتان خانتا المواثيق، فغزاهما فطرد إحداهما قتل رجال الأخرى و سبى نسائها و أطفالها.

فلماذا طرد الرسول اليهود من المدينة المنورة؟ و متى حدث ذلك؟ و ما هي المواثيق التي خانوها؟ و ما الجرائم التي ارتكبوها ليستحقوا القتل و الطرد بهذه الطريقة؟

معركة

وثيقة المدينة بين الرسول واليهود

  • إن يهود بني عوف أُمَّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم.
  • وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.
  • وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.
  • وإن بينهم النُّصح والنصيحة، والبرَّ دون الإثم‏.
  • وإنه لا يأثم امرؤُ بحليفه‏.
  • وإن النصر للمظلوم‏.
  • وإن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.
  • وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.
  • وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله –عز وجل، وإلى محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏.
  • وإنه لا تُجَارُ قريشٌ ولا مَنْ نَصَرَهَا‏.
  • وإن بينهم النصر على من دهم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهُمْ‏.
  • وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏.

هذا الميثاق هو المقطع الخاص بالمواثيق مع اليهود، و نص الميثاق كاملا هنا.

إذا، فهذا الميثاق ينص على أن المسلمين و اليهود سيتعايشون في المدينة دون ظلم أو بغي من إحدى الطائفتين على الأخرى، لكل دينه و نفقته، و يدافعون معا عن المدينة و ينفقون في الحروب، و الحكم في الشجارات أو المخالفات لهذه الوثيقة لله و محمد صلى الله عليه و سلم، و لا يجير اليهود أحدا من قريش، و المدينة حرام على أهل هذه الصحيفة، و أن من ظلم يأخذ جزاءه، و لا يحول هذا الميثاق دونه.

لكن اليهود لا يلتزمون بالعهود و المواثيق، و أول من نكث الميثاق هم يهود بني قينقاع، و لذلك طردهم رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة في غزوة بني قينقاع في السنة الثانية للهجرة.

غزوة بني قينقاع ، لماذا طرد الرسول اليهود من المدينة

حدثت هذه الغزوة في السنة الثانية من الهجرة، في شهر شوال، بعد أيام قليلة من غزوة بدر الكبرى.

سبب غزوة بني قينقاع :

قام يهود بني قينقاع بالكثير من الشغب و المشاكل و إثارة الفتن، و من أمثلة ذلك أنهم أثاروا مرة الفتنة القديمة بين الأوس و الخزرج حتى كادوا يتقاتلون بالسيوف، لولا أن أوقفهم رسول الله صلى الله عليه و سلم.

وسبب طردهم هو أن امرأة من المسلمين قدمت سوق بني قينقاع بسلعة فباعتها هناك، ثم جلست إلى صائغ فجعل اليهود يقولون لها: اكشفي لنا وجهك لنراك فأبت ذلك ورفضت، فغافلها الصائغ فعقد طرف ثوبها إلى ظهرها، و لما قامت انكشفت عورتها فتضاحكوا بها، فصاحت فجاء رجل  من المسلمين فوثب إلى الصائغ فقتله،  فقاموا إليه فقتلوه، ثم استغاث أهل الرجل برسول الله صلى الله عليه و سلم فأغاثهم.

استخلف الرسول صلى الله عليه و سلم على المدينة لبابة بن المنذر- رضي الله عنه-، و دفع اللواء إلى عمه حمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه-، ثم سار إليهم في جيش فحاصرهم فتحصنوا في حصنهم، و دام الحصار 15 ليلة، من منتصف شوال إلى الفاتح من ذي القعدة من السنة الثانية للهجرة، و لما قذف الله في قلوبهم الرعب و اشتد عليهم الرسول استسلموا و نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم في رقابهم و نسائهم و ذريتهم و أموالهم. فأمر بتكتيفهم و عزل النساء و الأطفال في مكان.

ثم جاء المنافق عبد الله بن أبي بن سلول يطلب من رسول الله صلى عليه و سلم العفو عنهم، و أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم لكنه ألح و أكثر الإلحاح مذكرا إياه أنهم نصروه في مواطن كثيرة، حتى غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم، فعامله بالمراعاة كونه كان سيد قومه و له جاهه في العرب، و إلا فهو  يعلم نفاقه. فوهبهم له و أمرهم أن يخرجوا من المدينة و لا يجاوروه بها أبدا، و قبض منهم أموالهم، و أخذ خمس غنائمهم. و هكذا طرد الرسول صلى الله عليه و سلم بني قينقاع من المدينة، فخرجوا إلى الشام فما هو إلا قليل حتى هلك معظمهم.

غزوة بني قريظة، لماذا طرد الرسول اليهود من المدينة

و هذه هي الغزوة الثانية، و حدثت مباشرة بعد غزوة الاحزاب في السنة الخامسة للهجرة.

سبب الغزوة

ارتكب بنو قريظة جريمة عظيمة في حق المسلمين أثناء معركة الخندق، فبينما المسلمون مشتغلون بالدفاع عن المدينة المنورة من غزو الأحزاب، لم يكتفي اليهود بالمكوث داخل حصنهم و ترك المسلمين، بل خانوهم خيانة عظمى، و ذلك بأن جرت مراسلات سرية بين اليهود داخل المدينة و كبار قريش، و عزموا على محاصرة المسلمين من داخل المدينة، و حاولوا فتح ثغرة في الخندق يمر منها جيش المشركين. فصار المسلمون بين حراسة الخندق لألا يدخل المشركون، و بين حراسة أهلهم في المدينة خوفا من اليهود الفجار، و لولا ستر الله و نصره يوم الأحزاب لهلك المسلمون عن بكرة أبيهم بسبب غدر اليهود و خيانتهم.

و لما ذهب المشركون و انتهت غزوة الاحزاب، رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيت أم سلمة، فجاءه جبريل و هو يغتسل فقال: أوقد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، و ما رجعت إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، و ألقي في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه مع الملائكة.

فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذنا في المؤمنين: <من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. >

فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم – رضي الله عنه-، و دفع الراية لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه- و أرسله مع من أمرهم، ثم انطلق هو مع نفر آخرين، ثم تتابعت الجموع إلى أن وصل تعداد الجيش إلى 3000 مجاهد معهم 30 فرسا. فحاصروهم حصارا شديدا، و لما اشتد عليهم الحصار و ألقى الله في قلوبهم الرعب عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث عروض: أن يسلموا مع رسول الله فيحفظوا أنفسهم و أموالهم و ذريتهم، و قال لهم: و الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، و إنه للذي تجدونه في كتابكم. فقد كان اليهود يعلمون الحق لكنهم يجحدونه، و هذا من اعجب العجب. و عرض عليهم أن يقتلوا نسائهم و ذريتهم بأيديهم و يخرجوا إليهم فيناجزونهم حتى يظفروا أو ينتهوا عن آخرهم، و إما أن يهجموا عليهم يوم السبت لأنهم يأمنونهم أن يقاتلوا يوم السبت، لأن السبت عند اليهود يوم مقدس لا يفعلون فيه بعض الأشياء. فلم يجيبوه إلى أي من العروض، من شدة جحودهم بالحق و جبنهم و قلة نخوتهم.

فاستسلموا بعد 25 يوما من الحصار و نزلوا عند حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأراد أن يحكم فيهم رجلا من الأوس لأن بني قريظة كانوا موالي الأوس، كما حكم عبد الله ابن أبي بن سلول في بني قينقاع موالي الخزرج. فحكم فيهم سعد بن معاذ و كان جريحا، فدعي فأتي به على حمار، و رجاه بعض الناس أن  يحسن في مواليه، و لما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فجكم فيهم بأن يقتل رجالهم، و تسبى نسائهم و ذريتهم و تقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات.

و لما دخلوا الحصن وجدوهم جمعوا السيوف و الرماح و الدروع لغدر المسلمين في ظهورهم. و قتل يومها منهم من 600 إلى 700 رجل، و منهم المجرم حيي بن أخطب سيد بني النضير الذي خان أيضا المواثيق و تحالف مع قريش ثم دخل في حصن بني قريظة إيفاء بوعده لهم أنه إذا أصابهم شيء دخل معهم في حصنهم فكان جزاؤه من جزائهم.

و لما اتي به لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أما و الله ما لمت نفسي في معاداتك، و لكن من يغالب الله يغلب، ثم قال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، كتاب و قدر و ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه. و هذا أيضا من العجب،  كيف لرجل يعلم أنه على ضلال، و يعلم الحق و لكنه ينصر الباطل حتى و لو مات. طبع الله  على قلوبهم فلا يجد الغيمان إلى قلوبهم سبيلا.

أما مت مات من المسلمين فقد كان رجل واحد، خلاد بن سويد، القت عليه امرأة الرحى من الحصن فقتلته، ثم قتلت مع من قتل من الرجال جزاء فعلتها.

خاتمة

هذا ما كان من غدر اليهود و نقضهم المواثيق و كفرهم الذي لا يكفون عنه، فلاقوا ما يستحقون من الجزاء. و هذا حالهم إلى اليوم، فمتى نعود كما كان رسول الله صلى الله علي و سلم و اصحابه و نخرج اليهود من ارضنا؟

اللهم إنا نسألك أن تحرر فلسطين و المسجد الأقصى، اللهم عليك باليهود الظالمين الغاشمين، و اهدنا و أعل راية المسلمين. و صل و سلم على سيدنا محمد الصادق الأمين.

مصادر

كتاب الرحيق المختوم، لصفي الرحمان المباركفوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top